التربية و التكوين من مكونات التنمية البشرية
برز مفهوم التنمية بداية في علم الاقتصاد , حيث استخدم للدلالة على عملية احداث مجموعة من التغييرات في مجتمع معين وذلك بهدف اكسابه القدرة على التطور الذاتي . ثم انتقل الى حقل السياسة كحقل يهتم بتطوير البلدان في اتجاه الديمقراطية. ولاحقا تطور مفهوم التنمية ليرتبط بالعديد من الحقول المعرفية , وهكذا زاد الاهتمام بالتنمية الثقافية لرفع المستوى الثقافي في المجتمع و ترقية وعي الانسان.
واذا كان النمو الاقتصادي هو الممهد الاساسي لكل جهد تنموي فان التنمية البشرية تجعل الانسان منطلقا و غايتها وتتعامل مع الابعاد الاجتماعية باعتبارها العنصر المهيمن و تنظر للطاقات البشرية شرطا من شروط تحقيق التنمية.
و امام تداخل المكونات الاقتصادية و الاجتماعية تولدت لدى الفاعلين الاقتصاديين و السياسيين و التربويين قناعة بضرورة الاصلاح وفق مقاربة شمولية تجسدت معالمها في مكونات الميثاق الوطني للتربية و التكوين و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ولعل ما دفع الى اعتماد هذه المشاريع المجتمعية هو ما افرزه الواقع من اختلالات امكن رصد بعضها على النحو التالي :
– عجز الاقتصاد المغربي على خلق الثروات و مناصب الشغل.
– زيادة الانفاق التربوي ( ربع ميزانية الدولة ) لم يواكبه التطور المنشود كمحدودية حصيلة محاربة الامية وضعف القدرة الادماجية للمنظومة التربوية كضعف تعلم فتيات العالم القروي و زيادة معدلات التكرار و الهذر المدرسي و العجز على استجابة لطلبات سوق الشغل.
وهذا العجز في المنظومة التربوية استدعى وضع الميثاق الوطني للتربية و التكوين على نحو يعزز القدرة التنافسية للبلاد ويمكنهم من امتلاك العلوم والتكنولوجيا المتقدمة. ولعل اهم ما ميز منطلقات الميثاق الوطني كونه حدد الغايات التالية :
- منح الافراد فرصة اكتساب المعرفة و القيم و المهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية.
- تزويد المجتمع باليد العاملة و الاطر المؤهلة و القادرة على الاسهام في التنمية.
- اشراك كل الفرقاء الاقتصاديين و الاجتماعيين و التربويين في التأسيس لمكونات الدولة العصرية.
- اعتبار حق التعليم حقا اساسيا من حقوق الانسان
- العناية بالأشخاص دوي الاحتياجات الخاصة , غير ان اصلاح المنظومة التربوية لا يستقيم الا من خلال الاهتمام بباقي المكونات الاجتماعية و الاقتصادية , مما استدعى اعتماد البادرة الوطنية للتنمية البشرية التي اطلقها العاهل المغربي في خطاب يوم 18 ماي 2005 . وهي مبادرة قائمة على المحاور التالية:
- التصدي للعجز الاجتماعي الذي تعرفه الاحياء الحضارية الفقيرة و الجماعات القروية الاشد خصاصة.
- تشجيع الانشطة المتيحة للدخل القار و المدرة بفرص الشغل.
- الاستجابة للحاجات الضرورية للأشخاص في وضعية صعبة.
و هكذا يلاحظ ان التنمية البشرية لا تستقيم إلا بإرفاقها بالإنسان وخلق شروط النمو الاقتصادي و الاستقرار الاجتماعي وهذا ما يدفعنا الى التساؤل عن دور التربية و التكوين في تحقيق تنمية تؤسس لبناء المجتمع الحداثي.
وهذا التساؤل يستمد مشروعيته من الاهمية التي يحظى بها العنصر البشري في اي مشروع تنموي. ذلك ان التنمية لا تتحقق الا بعنصر بشري مكون تكوين جيد في مختلف مناحي شخصيته وفي مختلف حقول وظيفته و معيشته. و التكوين لا يتحقق الا من خلال مؤسسة التربية و التكوين التي تمارس وظيفتها في اطار من العقلنة والضبط و تستحضر ضمن اهدافها تنشئة الفرد الفاعل في التنمية و ذلك من خلال خلق تكامل بين الحقول المعرفية و التطبيقية حتى لا يتحول الركام المعرفي الى ترف فكري ومعارف لا جدوى منها في حالة ما اذا لم يطبق غلى ارض الواقع.
وبهذا المعنى يمكن الحديث عن تنمية بشرية تنشد الرفاه الاقتصادي و تكافؤ الفرص و الصحة العامة و التعليم وهي دلالات استحضرتها الامم المتحدة التي وضعت ثلاثة مؤشرات اساسية ترتكز عليها التنمية البشرية و هي طول العمر و التحصيل العلمي ومستوى المعيشة الذي يقاس بمتوسط الدخل السنوي للفرد الواحد.
خلاصة:
وهكذا يكون المغرب قد عمل على تجاوز انعكاسات التقويم الهيكلي على مستوى التنمية الاجتماعية ( ارتفاع الاسعار الداخلية بطالة خريجي الجامعات …) وذلك باعتماد استراتيجية اجتماعية تغطي التعليم و الصحة و الانعاش الوطني وفق ما رسمته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية . غير ان انتظارات المواطنين تستدعي تسريع وثيرة العمل التي رسمتها تلك الاستراتيجية.