القلق و التوتر
* من ملازمات و تداعيات ممارسة التدريس . قد يصاحب كل حصة دراسية ، و قد يمتد الى خارجها مع مخلفاتها أو في الإعداد و الإقبال للتي تليها، يعتبران معا في اللائحة التعريفية المعتادة للمنضمين لأسرة التعليم عند الأطباء .منابعهما متعددة و مختلفة و وجودهما لا مَحِيدَ عنه إلا أن نسبهما تختلف حسب شخصية الممارس و درجة تعوّده و احترافيته في التفاعل معهما.
* هما انعكاس فطري و متوقع لطبيعة المهنة و النجاح في ممارستها على مدى لحظاتها و في التحضير لها و فيما بعدها، ينضاف لذلك العلاقات الإنسانية المركّبة و المتشعبة و المختلفة مع المتعلمين و الإدارة التربوية و أولياء الأمور و زملاء الحرفة.
* قد تمّ الحديث عنهما في مقالات سابقة كالمقال العاشر: صحة الأستاذ و الثاني عشر: أذى المسار و التاسع و العشرين: الجحود و غيرها، حيث برزت معالمهما و تجلياتهما في تلك المواضيع بأبعاد أخرى.
* هناك مَنْ تدخلان في طبيعة شخصيته و تركيبتها فتكون حينذاك انعكاساتهما الصحية أكثر حدة و أسرع ظهورا، و ممارسة التدريس تقترن حينها مع معاناة مزمنة و تقل معها النجاعة و الكفاءة و النجاح و المتعة.
* كلما زادت سنوات الأقدمية في المهنة إلا و زادت المناعة ضدهما و التأقلم معهما عند المحترف الذي استحضر خطورتهما في بداية المشوار و بدأ بالتدرج في التحكم فيهما و التقليل من أسبابهما و البحث عن العلاج الفوري لكل بروز لهما و الوقاية الاستباقية منهما. لكن مع الأسف و في المقابل كلما زادت سنوات الأقدمية في المهنة إلا وزادا و استفحلا عند العفوي العاطفي اللامبالي بحاله الصحي الذي بقي على وضعه الأول في التفاعل مع الأحداث و الوقائع و المستجدات دون تدبر أو مراكمة خبرة إيجابية في تغيير منهج التعامل و العمل.
* القلق و التوتر و الانفعال و الغضب و التوجس و الترقب و خيبة الأمل ضغوط قد نجدها كلها أو بعضها في حراسة الفروض و الامتحانات و تصحيحها، في إعداد الدرس و إلقاءه و شرحه و إنجاح الحصة، في انتظار نتيجة الوحدة أو الطور أو السنة الدراسية، في ضبط القسم أو أعضاء منه، في خضم أخطاء السلوك و أخطاء التعلم و تقويم اعوجاجها ، في ملاحظة الاستهتار و الغش و الانحراف و المنكرات و سوء الأخلاق في اللباس و الحديث و المعاملة، في كل ما هو إداري و ما يحيط بأجواء المؤسسة و من فيها، في الاجتماعات و المجالس و المداولات، في نكران الجميل و قلب الحقائق و الجحود و الاستهانة برمزية الأستاذ ومكانته كما فصلنا في ذلك في مقالات سابقة.
* الرياضة البدنية، و الرياضة الروحية التعبدية، و تغيير الأجواء، و تقاسم المشاكل و الأحداث مع الأهل و الأصدقاء و أصحاب الخبرة، و الوصول إلى توازن منتظم في الأكل و النوم و المنبهات، وسائل مساعدة على طرد ترسبات و سموم و مخلفات التوتر و القلق و مساعِدَةٌ كذلك على التقليل من هيجانهما و مساعدة كذلك على إدخال السكينة و الطمأنينة للنفس و الروح.
* إن متعة التدريس و حب ممارسة التدريس و قيمة التعليم كمهنة شريفة غالية نفيسة لا يجب أن تحجب مخاطرها و متاعبها و مشاقها الكبيرة، خاصة عند أصحاب الضمائر الحية و الهمم العالية و النفوس الطموحة المتشوفة إلى المعالي و أصحاب الحس المرهف المتفاعل العاطفي. و القصد من المقال هو إبراز جزء من تلك المشاق و محاولة للغوص في تفاصيلها عسى أن يفيد في التعاطي معها بشكل يقلل من انعكاساتها السلبية و الله الموفق لما فيه الخير.
