خصصت لجنة الاختيارات والتوجهات التربوية 13 جلسة عمل لتحديد الجوانب المتعلقة بفلسفة التربية، واللجنة البيسلكية متعددة التخصصات حوالي ثلاثة أسابيع من العمل الجماعي المكثف لوضع الأسس اللازمة لتخطيط التربية وفق هذه الفلسفة قبل الشروع في بلورتها في مناهج المواد الدراسية من بداية أبريل 2001 إلى منتصف أكتوبر 2001. وقد أخضعت أعمال مختلف اللجان لاستشارة واسعة على المستوى الوطني وعلى مستوى الجهات بلغ العدد الإجمالي للمدعوين إليها حولي خمسة آلاف مشارك. كما مكنت هذه الاستشارات من تدقيق المناهج التربوية لمختلف المواد الدراسية وتحسين مواءمتها مع منتظرات المجتمع المغربي حالا ومستقبلا كما عبر عنها المشاركون في مختلف الاستشارات.
وستخصص الأجزاء السبعة الموالية لتقديم هذه المناهج – الكتاب الابيض –: الجزء الثاني لتقديم المناهج التربوية للتعليم الابتدائي بما فيه ما يسمى حاليا بالتعليم الأولي؛ الجزء الثالث لتقديم مناهج السلك الإعدادي من التعليم الثانوي؛ والأجزاء من الرابع إلى الثامن لتقديم المناهج التربوية للأقطاب الخمسة للسلك الثانوي التأهيلي على حدة.
يقترن السلك الإعدادي للتعليم الثانوي – الكتاب الابيض – مع سن إجبارية التعليم لما يناهز %90 من المتعلمين ، باعتبار الأهداف المسطرة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين. لذا كان لابد من إعطاء أقصى ما يمكن إعطاؤه من أهمية، من جهة، لتربية المتعلم على القيم المرتبطة بالهوية الوطنية بكل أبعادها لتحصين شخصيته كمواطن مغربي أصيل ومتفتح على الحضارات الإنسانية، ومن جهة أخرى، للجوانب المنهجية التي تعزز استقلالية المتعلم في التعلم واتخاذ القرارات المرتبطة بمساره الدراسي وبتموقعه داخل الفضاءات المدرسية وخارجها في البيئة المحيطة بالمؤسسة التي يدرس فيها، وكذلك تجاه مختلف مجالات المعرفة والتكنولوجيا، على الأقل بالقدر الكافي لاختيار القطب والشعبة المناسبة في السلك التأهيلي لمؤهلاته وميولاته.
وتكفي العودة إلى مواصفات المتعلم المحددة لنهاية السلك الإعدادي – الكتاب الابيض – لمعرفة ما ينبغي أن تمكن مناهج هذا السلك من تحقيقه من أهداف على مستوى قيم العقيدة الإسلامية، وقيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية، وقيم المواطنة، وقيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية، وعلى مستوى تنمية كفايات المتعلم التواصلية، والاستراتيجية (كفايات تنمية الذات)، والثقافية (الرمزية والموسوعية)، والمنهجية، والتكنولوجية. كما أن الحيز الزمني المخصص للمشروع الشخصي للمتعلم خلال الدورات الست، وربط هذا المشروع بالتكنولوجيات الجديدة للتربية بما تسمح به هذه الأخيرة من تفتح على الأنظمة التربوية المتقدمة، من شأنهما أن يوفرا للمتعلم الرصيد اللازم لإعطائه تصورا متكاملا لما يمكن انتظاره من المناهج التربوية كما تم التخطيط لها وكما تمارس في الفضاءات المدرسية، من جهة، وما يمكن إضافته لهذه المناهج بالموازاة مع الممارسة البيداغوجية المؤطرة من طرف هيئات التدريس والإشراف التربوي، من جهة أخرى.
ولابد من التأكيد هنا على ضرورة الانطلاق من مسلمة التكامل بين المجهودات المبدولة في الفصل من طرف أطر التدريس كمؤطرين لتعلم مختلف المفاهيم التي تقدمها المناهج التربوية، ومواكبين لبناء هذه المفاهيم من طرف المتعلمين، والمجهودات الضرورية المنتظر بدلها من طرف أطر الاستشارة والتوجيه التربوي من الدورة الثالثة إلى نهاية السلك الإعدادي، بهدف ربط ما تقدمه المناهج التربوية للمتعلمين مع منتظرات المجتمع ومتطلباته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ومع متطلبات ولوج الجذع المشترك ثم أقطاب وشعب السلك التأهيلي وولوج مؤسسات التكوين المهني.
ويكفي النظر إلى سن المتعلم في نهاية السلك الإعدادي (15 سنة على الأقل) – الكتاب الابيض – لمعرفة حيوية ما ينتظر من المناهج التربوية لهذا السلك من حيث ما تحمله من مضامين وما توفره من فرص للتعلم والتفتح على العالم، ومعرفة ما ينتظر المتدخلين في تطبيق هذه المناهج أو في مواكبة هذا التطبيق.